تلقينا في شبكة قانوني الأردن البريد التالي :
عمان - LawJO - حسام أبو حامدة
يترقب عشرات المتفوقين دراسياً، مصيراً قد يطيح بمستقبلهم بعدما وعدتهم الدولة بأن يصبحوا "قضاة المستقبل" في الأردن.
وعلى وقع هذا الترقب، تعكف الحكومة حالياً على إلغاء استثناءات تسمح لحوالي 150 طالباً جامعياً وحديث التخرج من كلية القانون بمعدلات متميزة، ومتفوقين في الثانوية العامة، بدخول المعهد القضائي الأردني والحصول على دبلوم الدراسات القضائية.
وحتى لحظة كتابة التقرير، رفض مسؤولون التعقيب على القضية بذرائع مختلفة ، على رأسها أن الحكاية لم تبدأ في عهدهم.
** البداية: وعود بضمانة ملكية
الهدف في الأساس كان رفد المحاكم الأردنية بخريجي قانون متميزين ومتفوقين، ضمن برنامج دعا الملك عبدالله الثاني عام 2008 إلى تطبيقه تحت عنوان "قضاة المستقبل".
و"قضاة المستقبل" حسب خطة البرنامج 3 أصناف: الخريجون من كليات القانون، والدارسون على مقاعد هذه الكلية، والطلبة المتفوقون في الثانوية العامة.
وبالفعل، في ذلك الحين، دعا الملك رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي للسير في هذا البرنامج في كتاب تكليفه حيث قال إن "التنمية لا تتحقق إلا في ظل العدالة والمساواة وسيادة القانون على الجميع. والضمانة لكل ذلك هو الجهاز القضائي، الذي نحرص على استقلاليته ونزاهته وكفاءته وسمعته الطيبة، من خلال العمل على تنفيذ الخطط والبرامج اللازمة لتطوير هذا الجهاز، وعلى رأسها برنامج قضاة المستقبل، وتيسير إجراءات التقاضي وتحسين أداء المرافق والأجهزة التابعة لهذا الجهاز".
وباشر وزير العدل وقتذاك أيمن عودة، الإجراءات اللازمة لاستقطاب طلبة متفوقين في الثانوية العامة من خلال إعلانات في الصحف لمن أحرزوا 85% فما فوق بالتوجيهي، من أجل دراسة القانون على حساب وزارة العدل في الجامعات الأردنية، تحت لواء "قضاة المستقبل".
استجاب عدد من المتفوقين وتوجهوا للقاء الوزير عودة، الذي طمأنهم – حسبما أبلغ بعضهم – بتأكيدات وجود "إرادة ملكية بالسير قدماً في هذا البرنامج"، وأنه لا داع للقلق لمرحلة بعد التخرج.
عقب ذلك، التقى ممثلون عن هؤلاء الطلبة بالملك عبدالله الثاني، وجرى استعراض البرنامج وأهدافه وما وصل إليه وحققه على أرض الواقع.
ومما زاد طمأنينة الطلبة، تشريع الحكومة لنظام صدر عام 2010، ينص على استثنائهم كموفدين من مسابقة القبول في المعهد القضائي، فيما يعني أن بيدهم ورقة رسمية تؤكد أحقيتهم بالالتحاق بدبلوم الدراسات القضائية عقب التخرج.
** تغييرات حكومية وتلاشي الوعود
كان الطلبة المتفوقون يتجهون في الأساس – قبل الإعلان الحكومي عن البرنامج – لدراسة تخصصات تلائم معدلاتهم وطموحاتهم، إلا أن الوعود الرسمية بأن يصبحوا قضاة في المستقبل، دفعتهم لإعادة النظر فيما يحلمون به.
وباشر الطلبة دراستهم فعلياً على مقاعد كلية القانون في الجامعة الأردنية، وداوموا على تلقي دورات للغتين الإنجليزية والفرنسية في أوقات الفراغ بناء على الخطة المرسومة لهذا البرنامج.
في غضون ذلك، كانت التغييرات الحكومية تلقي بظلالها على وزارة العدل، التي عاصرت منذ البدء بالبرنامج حتى اليوم 8 وزراء متعاقبين.
وعقب التخرج بتقديرات غالبيتها بالامتياز، حسبما يقول "قضاة المستقبل"، رفضت وزارة العدل إيفادهم إلى جامعات أجنبية للحصول على درجة الماجستير في القانون، كما كان متفقاً عليه، بسبب عدم توافر الإمكانات المادية.
وقدر الخريجون والطلبة هذا الأمر، مشيرين إلى أنهم يتفهمون "الأوضاع المالية الصعبة" التي تعاني منها الحكومة المركزية.
"البعض عيّنوا بوظيفة مساعد قضائي في المحاكم، لكن المهام الموكلة إليهم كانت مهمة كاتب"، كما يقول أحد طلبة البرنامج في حديثه.
على أرض الواقع، اختلف العمل الموكل لـ"الكاتب" في المحكمة هذه الأيام، عن عمله قبل حوسبة الأعمال القضائية، إذ أسندت مهمة كتابة وقائع الجلسات إلى موظفين وموظفات يعملون على أجهزة الحاسوب، وتحول عمل الكاتب إلى تحضير ملفات القضية المنظورة، وتبليغ الشهود المطلوب حضورهم للمثول أمام الهيئة القضائية.
** "انتقام" من عودة بـ"قضاة المستقبل"
لم يرض هذا الأمر "قضاة المستقبل"، مما دفعهم للتوجه إلى وزارة العدل حيث قابلوا مسؤولاً رفيعاً هناك وأعلموه بمشكلتهم.
الشكوى ببساطة تلخصت بأنهم وعدوا بمنح دراسية في الخارج وتخلوا عنها قانعين بالظروف الاقتصادية، لكنهم لم يدخلوا المعهد القضائي لنيل دبلوم الدراسات القضائية كما كان مقرراً.
لكن هذا المسؤول وعدد من وزراء العدل المتعاقبين، ردوا على الشكوى "بما لا يمت للمؤسسية بصلة" حسبما يقول الخريجون الجدد .
وتمثلت إحدى أبرز الإجابات التي حصل عليها "قضاة المستقبل" من مسؤولي وزارة العدل بالقول "خذوا ما تريدون من ما وعدكم به" في إشارة إلى الوزير الأسبق أيمن عودة.
وترك عودة خلفه تيارات تعارض توجهاته بشدة لاعتبارات شخصية، وأخرى تتعلق بارتباطه المعنوي بشخصيات توصف بـ"الديجيتال".
ووصلت المعارضة الشخصية إلى حد رفض أحد النواب القانونيين مساعدة "قضاة المستقبل" بذريعة ارتباط الملف بالوزير عودة، حيث نقل الخريجون عن هذا النائب القول "لو كان وزيراً آخر" لساعدتكم.
هذه الردود، دفعت المتضررين للاعتقاد بأن رغبات البعض "بالانتقام" من أيمن عودة، جعلتهم يعملون لنسف برنامج "قضاة المستقبل"، مهما كان مصير من انخرط فيه.
** 12 عاماً أو 34 ألف دينار
تلزم خطة البرنامج كل من انخرط به، بالعمل لدى وزارة العدل في المحاكم مدة 12 عاماً، لقاء تكاليف الدراسة التي تكبدتها الحكومة، بضمانة قدرها 17 ألف دينار، مع غرامة 100% كشرط جزائي (34 ألف دينار)، حسبما يقول أصحاب العلاقة.
ومع المماطلة في التحاق الخريجين بالمعهد القضائي للحصول على الدبلوم المطلوب، فإن "قضاة المستقبل" سيعملون كما يبدو بوظيفة كاتب، حتى انتهاء مدة الالتزام.
وزاد هذا الالتزام مخاوف من تفوقوا بالثانوية العامة ثم بمساقات كلية القانون، بشأن عدم قدرتهم حتى على التعايش مع الواقع، ضمن تخصصاتهم الحالية، والعمل على الأقل كمحامين مزاولين.
إلا أن تطمينات خجولة كانت تصل "قضاة المستقبل" بين الحين والآخر من مسؤولين كبار في وزارة العدل، جعلتهم ينتظرون قبل التذمر والشكوى، فاستمروا بصمتهم المتواصل منذ 3 سنوات.
** "بلا مستقبل"
قبل أيام، عرض ديوان التشريع والرأي مسودتين لم يتبين بعد من أعدهما، ومن المفترض إقرارهما قريباً، تعدّل إحداهما نظام المعهد القضائي (الصادر عام 2010 وينص على استثنائهم من مسابقة القبول) وتلغي الثانية نظام البعثات العلمية في وزارة العدل.
تنبه "قضاة المستقبل" للمسودتين، ولدى المقارنة بين التعديلات المقترحة والتشريعات السارية حالياً، تبيّن أن الحكومة تتجه لإلغاء استثنائهم من مسابقة القبول في المعهد القضائي، في تواصل لنسف الوعود الرسمية السابقة.
ولا يخشى "قضاة المستقبل" من عدم اجتيازهم مسابقة القبول هذه كونهم متفوقين بالأساس، لكن المخاوف الفعلية تبرز لدى ملاحظة عدد المقاعد المخصصة لهم.
ويقول المشتكون إن من شأن اشتراط دخولهم مسابقة القبول، حرمان نحو 120 بين خريجين وعلى مقاعد الدراسة، من الالتحاق بالمعهد القضائي والحصول على الدبلوم المطلوب، رغم كافة الوعود والضمانات.
ويلخص "قضاة المستقبل" قضيتهم بالقول إن 4 سنوات دراسية قضوها مكثفة بين بكالوريوس القانون ودورات اللغة، يضاف إليها 12 عاماً من الالتزام بالعمل غير المتفق عليه، بسبب خلافات ومعارك لم يكونوا يوماً طرفاً فيها، لينتهي الأمر بهم "بلا مستقبل".
1798847_10202349945964590_1607251115_n
علِّق